الحياة فرص… مش عجوة وقرص

يوسف البخيت

 

هذه العبارة التي يكتبها سائقي وسائل النقل الشعبية على الزجاج الخلفي في بعض الدول المجاورة، تمثل أحد القواعد المهمة في الحياة المهنية، ولن أسهب في تفسير هذه العبارة لضيق مساحة الأسطر هنا ويمكن شرحها (على الخاص) لمن أراد :(، إلا أنني سأشارك إحدى فرص التعلم القاسية التي مررت بها خلال الفترة الماضية، وما زالت دروسها المستفادة تظهر وتتراكم.

في أحد المشاريع التي أعمل عليها، طُلب مني إرسال آلية تنفيذ أحد المهام التي نقوم بها بشكل دوري، وذلك بناءً على طلب (المراجعة الداخلية) لدى الجهة المستفيدة، وبالفعل شاركت الملف مع المعنيين، وبعد ذلك ببرهة طُلب مني إرسال تقرير عن تنفيذنا للمهمة التي شاركنا آلية القيام بها، ونظراً لأن المسؤول عن هذه المهمة في فريقنا الداخلي في إجازته السنوية، وقد كنت دائماً حريصاً على أن يشارك كل أفراد الفريق ملفاتهم في مساحة العمل المشتركة تسهيلاً للوصول إلى المعلومة، فلم أجد صعوبة في الوصول إلى الملف المقصود، قمت بمراجعته على عجالة، عدّلت بعض التنسيقات الأساسية، وأرسلته كذلك للمعنيين…

لم يكن في تصوري أي أبعاد أو تطورات قد تنشأ، فنحن نقوم بأدوارنا كما ينبغي… بل أكثر مما ينبغي.

لكن الواقع أثبت خلاف ذلك، فقد تناولت (المراجعة الداخلية) هذا التقرير بالتدقيق و “التدقير”، وبما أن (80%) من أبعاد المشروع غير واضحة بالنسبة لهم فقد اختزلوا المشروع في مستند لا يتجاوز الـ (77) سطراً، وهو ما نعتبره نحن كفريق عمل (خدمة مجانية وقيمة مضافة) لا نُحاسب عليها أصلا، والأدهى من ذلك أنهم عبروا في تقرير (مراجعتهم الداخلي) أن هذا المشروع بهذه النتائج سيكون له تأثير على (عدم تحقق مستهدفات رؤية 2030)، ولا يمكنني تصور تبعات هذا التقرير عندما يصل إلى أعلى رأس الهرم الذي سيصل إليه، لكنني مستعد للتعامل مع تبعاته أياً كان الأمر، فقد كنت أحد أقطاب هذا الخطأ.

لقد طالت أبعاد هذه الحادثة جميع المستويات الإدارية العليا والدنيا وعصفت بالكثير من الأوراق والأوقات لمحاولة استدراك (سوء الفهم الذي حدث) وحتى الآن لم نتمكن من التقدم فيها بشكل جاد، وإنما محاولات عابثة للاستدراك ونسأل الله الستر والعفو.

التفاصيل التي تضمنتها الحادثة كثيرة جداً ولا تكفيها أسطر هذه المقالة، لكن الأهم هو الدروس التي استفدتها على المستوى الشخصي، لقد حدثت نفسي كثيراً، وخلاصة ما حدثت نفسي به أوجزه في هذه الأسطر:

  1. لا تفترض أن الآخرين يفهمون الصورة كاملة، لذا إما أن تشارك كل التفاصيل – حتى الممل منها – أو شارك رؤوس أقلام موجزة جداً وانتظر طلب التفاصيل.
  2. اسأل (لماذا)، حتى في المهام العاجلة… يجب أن تعرف إلى أين يمكن أن تصل أبعاد تنفيذ مهمة ما، حتى لو كانت في نظرك تافهة: كإرسال بريد لا يستغرق دقيقة!.
  3. كن حذراً مع العميل الخارجي… حتى وإن كنت تتحلى بالكثير من الثقة والصدق والصراحة، خذ بعين الاعتبار الاحتمالات السيئة، ولا تعطي جميع الحقائق للعميل، ورحم الله الفاروق حين قال: “أَما في المَعاريضِ ما يُغني المُسلِمَ عَن الكَذِب”.
  4. لا تجعل ملكية المهام لفرد واحد… نعم يجب أن يكون أحد الأفراد مسؤولاً بشكل واضح عن مهمته، لكن يجب أن يغوص في تفاصيلها معه شخص آخر، ليسد الفجوة التي قد تطرأ في أي وقت وتحت أي ظرف.
  5. ….
  6. ….

تركت هاتين النقطتين لكم لتكتبوا دروسكم المستفادة من هذه الحادثة، وعوداً على بدء، فإن الحياة تعطينا الكثير من الفرص، والتي تتضمن في ثناياها مشقة وتحدياً إما لأنها تستدعي خروجنا من منطقة الراحة لاغتنام الفرص المرغوبة، أو تستدعي مرورنا بتجربة قاسية لتصنع لنا فرصة تعلم نادرة.

يوسف البخيت 17 – 03 – 1443 هـ